تحالف الليل يلغيه تصريح النهار!

تاريخ الإضافة الأربعاء 27 حزيران 2018 - 3:31 م    عدد الزيارات 2087    التعليقات 0     القسم سياسي

        


إياد الدليمي

كاتب وصحفي عراقي

منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية العراقية (12 مايو/ أيار)، والإعلان عن تحالفات الكتل الفائزة يتوالى، فتحالف الليل يلغيه تصريح النهار، وتحالف النهار تهزّه اجتماعات الليل وزياراته، من دون أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ليل العراق البهيم، وفي غياب أي رؤيةٍ وطنيةٍ يمكن أن تجمع ما تفرّق؛ وتلمّ شعث ما تناثر من بقايا بلدٍ ما زال يدفع ثمن احتلاله وغزوه، باهظًا، من ثروته ومستقبله ومصلحته.

تبدو انتخابات 2018 الأعقد والأكثر إثارة بين الانتخابات منذ الغزو الأمريكي في 2003، ليس لأنّها شهدت تنافسًا مثيرًا، وإنّما بسبب حجم التدخلات الكبيرة من القوى الخارجية، إقليمية ودولية، ناهيك عن غياب أدنى رؤيةٍ وطنيةٍ للتيارات التي فازت، على الرغم من كل شعاراتها الوطنية الرنّانة.

شهدت الانتخابات صعود تيّار مقتدى الصدر، متمثلًا بكتلة "سائرون" التي حصلت على المركز الأول، وحل ثانيًا تحالف الفتح الذي يتألف من عدة فصائل مسلحة مدعومة إيرانيًا، ويتزعمه قائد منظمة بدر، هادي العامري، ثم تحالف النصر، بزعامة رئيس الحكومة حيدر العبادي، ثالثًا، مخالفًا توقعاتٍ كانت تراه الأقرب إلى الفوز بهذه الانتخابات.

بدأت القصة مع تغريدةٍ لمقتدى الصدر، أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات، رسم فيها ما يمكن تسميتها خريطة الطريق لائتلافه الفائز، معلنًا بوضوح أنّه لن يتحالف مع "الفتح"، بزعامة هادي العامري، ومستبعدًا "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزّعمه نوري المالكي، غير أنّ كل شيء تغير، جاء قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ومعه مجتبى نجل علي خامئني، فعقدا سلسلة مقابلات واجتماعات، تمخضت عن زيارة هادي العامري مقتدى الصدر، ومن هناك أُعلن عن تحالف بين كتلتي الفتح وسائرون، لتشكيل الكتلة الكبرى، قبل أن تتغيّر المعادلة مرة أخرى، ليعلن الصدر وحيدر العبادي، ليل الجمعة الماضي، عن تشكيل تحالف بين "سائرون" وكتلة النصر. 

"ستبقى لعبة التحالفات السياسية في العراق واقفةً على رمال متحرّكة، تلعب بها أطراف دولية وإقليمية"

تدل الإعلانات المتتالية عن تشكيل تحالف مع هذه الكتلة أو تلك على حجم التدخلات الخارجية التي ما زالت تُسيّر العملية السياسية في العراق. ومن جانب آخر، تبرز مجدّدًا حجم ضياع البوصلة الوطنية لدى أغلب الكتل السياسية العراقية التي ما زالت مرهونة للخارج، ولا تملك من أمرها شيئًا، بل لا مبالغة في القول إنّ عديدًا من هذه الكتل السياسية تحول إلى أدواتٍ بيد هذا الطرف أو ذاك.

ولكن أين أمريكا من كل ما يجري في عراق ما بعد الانتخابات؟ هل فعلًا استسلمت للقبضة الإيرانية المتحكّمة بالعراق؟ هل فعلًا أخفق حلفاء أمريكا في المنطقة الذين دفعتهم إلى التدخل في العراق لتقليص النفوذ الإيراني في العراق، وفي مقدمتهم السعودية، ورفعوا الراية البيضاء مجدّدًا أمام غول التدخل الإيراني؟ لا يمكن الجزم بأنّ الولايات المتحدة استسلمت، فالمراقب لما يجري في العراق يدرك جيدًا أنّها ما زالت تراهن على تغيير الوضع في العراق، خصوصًا في ظل التوجه الأمريكي الجديد الذي انتهجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضد طهران، وانسحابه من الاتفاق النووي، وفرض عقوباتٍ جديدة، والعراق في ظل هذا التوجه، مهم جدًا، بل ربما يكون البوابة الأكثر تأثيرًا على إيران لزيادة خنقها.

ترى أمريكا أنّ الضغط الإيراني لتشكيل تحالفٍ من مختلف القوى الشيعية، وفي مقدمتها "سائرون" و"الفتح"، لا يمكن له أن يمضي إلى النهاية، خصوصًا وأنّ هناك تقاطعًا في التوجهات بين الطرفين، وأنّه تحالفٌ جاء نتيجة ضغط إيراني، وهي قناعة عزّزها اندفاع العبادي نحو مقتدى الصدر، والإعلان عن تشكيل تحالفٍ جديد تنبثق منه الكتلة الكبرى، بعد أيام من مغادرة سليماني ومجتبى البلاد.

إذا استمر تحالف العبادي والصدر، ولم تنقضه إحدى نقائض التحالفات السياسية في العراق، يمكن أن يشكل مدخلًا لبناء تحالفٍ أوسع، يضم الكتل السنية والكتل الكوردية البارزة، وهو تحالفٌ تدفع به واشنطن، وتعمل من أجله، غير أنّه تحالفٌ سيثير غضب طهران، وربما ترد بمحاولات لسحب أعضاء من كتلة النصر بزعامة العبادي، بالإضافة إلى أعضاء من كتل سنية وكوردية حتى. أما السعودية، فكعادتها، راهنت على أحصنةٍ خاسرةٍ عديدة في هذه الانتخابات، لعل أبرزها مقتدى الصدر الذي وصفته بالعروبي الذي سيعيد العراق إلى حضنه العربي. ولكن يبدو أنّه غير قادر على الخروج من عباءة الولي الفقيه، على الرغم من محاولاته، ومن الدعم السعودي والأمريكي.

ستبقى لعبة التحالفات السياسية في البلاد واقفةً على رمال متحرّكة، تلعب بها أطراف دولية وإقليمية، وأيضًا تناحر خفي يجري بين مختلف الأطراف المشاركة في العملية السياسية، تناحرٌ ما زالت إيران صمّام أمانه. ولكن إلى متى؟


 


مقالات متعلّقة


التعليقات (0)

 » لا يوجد تعليقات.

أضف تعليق

*
تحديث الصورة

* الخانات الضرورية.