بقايا الأقليات في العراق
![]() ![]() ![]() ![]() |
فاروق يوسف
كاتب عراقي
تعرّضت الأقليات الدينية والعرقية في العراق إلى عمليات تهجير منظم عبر السنوات التي أعقبت الاحتلال الأمريكي. لقد تواطأت جميع الأطراف على تنفيذ ذلك البرنامج الذي لم يكن ليخفى على أنظار سلطة الاحتلال أو الحكومات العراقية المتعاقبة.
وإذا ما كان تنظيم داعش قد بطش بالإيزيديين بعد تخلي الجيش العراقي عن الموصل عام 2014، فإن عمليات تهجير المسيحيين من قراهم ومدنهم في سهل نينوى قد بدأت منذ عام 2004. قبل ظهور داعش بسنوات تعرّضت كنائس المسيحيين في بغداد والبصرة والموصل للتفجير، وكانت مواكب المصلّين القتلى مدعاة لتفكير المسيحيين في ما يمكن أن يبعد عنهم شبح الموت المجاني في حرب لم يكونوا طرفا فيها.
أما الصابئة المندائيون، وهم من سكان العراق الأصليين، فقد وقعوا أثناء الحرب الأهلية التي نشبت بين عامي 2006 و2007 فريسة طمع المتحاربين، فنهبت أسواق الذهب التي يملكونها وتعرضوا للتهديد بالقتل إن لم يغادروا بيوتهم، وهكذا حلت بهم لعنة النزوح والتشرد فغادروا العراق وهم يعرفون أنهم لن يعودوا إلى أرض أجدادهم مرة أخرى.
لقد وقع الكثير من التزييف حين أُلقيت تبعة تلك الجرائم العنصرية على عاتق التنظيمات الإرهابية التي فتح لها الأمريكان حدود العراق لها، كما حدث مع تنظيم القاعدة في حين أن الوقائع كلها تؤكد أن جماعات دينية ذات نزعة طائفية قد افتتحت لها مقرات وحسينيات في قرى لم تكن مأهولة إلا من قبل المسيحيين. وقد كان مشهدا مضحكا أن يشارك المسيحيون في المواكب الحسينية بموكب خاص بهم، كان ذلك السلوك العبثي بمثابة نوع من براءة الذمة دفعا للقتل.
ما حدث للإيزيديين صدم العالم، وإن كان قد كشف عن ارتباك المجتمع الدولي وهو يغلب عجزه عن القيام بشيء قد يغضب الأمريكان على قيمهم الإنسانية التي وضعت على الرف زمن كان المسيحيون والصابئة والشبك والتركمان يتعرضون للاضطهاد والترويع والقتل لأسباب عنصرية.
وصلت صرخة الإيزيديين بعد أن تم سبي نسائهم وعرضهن في أسواق النخاسة الدولية وهو عار كان من الممكن أن يُلحق بصور العار السابقة وتتم التغطية عليه لولا أن الولايات المتحدة كانت راغبة في تسليط الضوء على جانب من الإسلام السياسي بحثا عن مكاسب اقتصادية.
لقد تم تدمير الأقليات في العراق إلى الدرجة التي صار فيها سنة العراق وأكراده عبارة عن أقليتين مستضعفتين. جرى تدمير الأولى، فيما يتم التخطيط لتدمير الثانية في سياق خطة إيرانية لا أعتقد أن شيعة العراق سيخرجون منها سالمين. فمن اليسير أن يتحوّل أتباع مقتدى الصدر إلى أقلية في أي وقت فيتم سحقهم وهكذا الأمر بالنسبة للآخرين.
لذلك يمكن النظر إلى العرض الذي تقدّمت به الولايات المتحدة وألمانيا من أجل إنفاق بضعة ملايين لتحسين أحوال الأقليات في العراق من جهة كونها نوعا من الفكاهة السوداء.
ما تبقى من أقليات أثنية ودينية في العراق تصلح لأن يتم تخليدها في متحف مدام توسو. لقد تم تدمير فسيفساء العراق بطريقة منظمة عبر سنوات، كانت منظمات الأمم المتحدة تنقل فيها الآلاف من العائلات العراقية إلى بلدان اللجوء مدفوعة بقدر هائل من الشفقة.
من جهتها فإن الولايات المتحدة استقبلت الهاربين من العراق لأسباب دينية بقدر استعراضي من الحنان، بالرغم من أنه كان بإمكانها أن تمنع وقوع المجازر التي تعرضت لها الأقليات العراقية.
فالمناطق التي شهدت تلك المجازر كانت خاضعة بشكل كامل لسلطة الاحتلال. في ما يتعلق اليوم بالحديث عن الأقليات في العراق، فإنه ليس سوى جزء من نفاق سياسي، يُراد من خلاله توجيه الأنظار إلى أماكن لم تعد ذات قيمة في المسألة العراقية من أجل أن لا تُرى المشكلات الراهنة.
الأقليات العراقية صارت جزءا من الماضي الذي جرى تدميره بقوة الاحتلال. ففي مرحلة ما قبل الاحتلال كانت تلك الأقليات تعيش هانئة بنعمة المواطنة التي فقدتها حين تم توزيع العراقيين بين طوائفهم وهو ما نص عليه الدستور الذي كُتب برعاية أمريكية.
المصدر: صحيفة العرب اللندانية