الإيرانيون بين حق الحياة والعقيدة
![]() ![]() ![]() ![]() |
فاروق يوسف
كاتب عراقيأمر متوقع أن ينتفض المجتمع المدني في إيران ضد الدولة الدينية. غير أن الأمر لن يكون غريبا أيضا حين تحشد تلك الدولة جماهيرها فتقف تظاهرة ضد تظاهرة ويتوزع الشعب بين طرفين يتناحران.
ذلك المشهد الذي يمكن أن يقع في أي لحظة إنما يكشف عن حقيقة النظام السياسي في إيران، حيث فلسفة الرعب هي الأساس. فإن لم تعش الرعب باعتباره استحقاقا أُخرويا وهو ما يدفع بك إلى الخضوع والاستسلام لآيات الله، فعليك إذا أن تواجهه في الدنيا ما إن تفتح فمك صارخا أو ترفع يدك محتجا.
فالشعب في إيران مجرد قطيع من وجهة نظر المؤسسة الدينية وما عليه سوى حق الطاعة والخروج بمسيرات البيعة، أما الحكومة التي تستند في وجودها إلى انتخابات “ديمقراطية” فهي حارس تلك المسيرات الذي ينفذ أوامر الولي الفقيه، المعصوم والمنزه من أي خطأ.
ما شهدته التظاهرات الشعبية الأخيرة من تحول إلى شعار “المطالبة بإسقاط النظام” ليس بالأمر الهين. غير أن من السذاجة تصور أن ذلك الشعار سيصل إلى هدفه مثلما حدث في عدد من البلدان العربية. وذلك لسببين:
الأول يكمن في قوة النظام الشعبية وهي قوة يستمدها النظام من هيمنة الخطاب الديني بكل مفرداته المقدسة التي تضع الخرافة قيد التداول اليومي، بحيث تُمحى الشرعية عن المطالب التي تمس الحياة اليومية بقوة الإيمان بالقدر والثقة بحكمة الولي الفقيه وعصمته.
أما السبب الثاني فيعود إلى الموقف السلبي الذي يتخذه الغرب إزاء أي إمكانية لإحداث تغيير جذري في النظام السياسي القائم في إيران. وما الصمت الأوروبي إلا تجسيد لذلك الموقف المخاتل.
أما تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فلا يمكن الأخذ بها علما أن تلك التغريدات جاءت مخففة لتدافع عن حرية التعبير وليس عن الحق في التغيير. وقد كان لافتا أن السلطات الإيرانية لم تتصدَّ للمتظاهرين بعنف مبالغ فيه.
وهو كما أرى سلوك يكشف عن نزعة التمييز بين الشعوب الإيرانية. فلو أن المتظاهرين كانوا عربا أو أذريين لفتكت بهم قوات الحرس الثوري، وصولا إلى ارتكاب مجازر إبادة جماعية في حقهم، ولكن المتظاهرين كانوا فرسا وهو سبب كفيل بتخفيف حدة القمع.
غير أن كل ذلك الانضباط مرتبط بما تم التعبير عنه من قبل الأجهزة الأمنية بأن الأمور لا تزال تحت السيطرة. أما إذا تدهورت الأمور باستمرار التظاهرات فإن الباب سيكون مفتوحا على قمع، من شأنه أن يعيدنا إلى عام 2009. يومها لم يظهر الرئيس الأمريكي باراك أوباما قلقه مثلما كان قلقا حين تعلق الأمر بليبيا بعد عامين.
وإذا ما كانت الدعاية الرسمية الإيرانية قد ركزت على كذبة المؤامرة الغربية، فإن سلوك الغرب يفند تلك الكذبة. وهو ما يدركه الإيرانيون جيدا من خلال وضع المعارضة الإيرانية في الغرب.
لقد سُمح لتلك المعارضة بإقامة المؤتمرات والمهرجانات التي غالبا ما تكون خاضعة للرقابة من غير أن يُقدم لها أي دعم على مستوى العمل في الداخل الإيراني، مثلما حدث مع المعارضة السورية التي حصلت على المليارات من الدولارات من أجل إسقاط النظام في بلدها.
ما يهم في مسألة التظاهرات الشعبية في إيران أنها أكدت وبشكل جلي أن الدولة الدينية لم تستطع بعد حوالي أربعة عقود من قيامها أن تقضي على روح المجتمع المدني في إيران، وأن ليس هناك من تسوية يمكن أن يقبل بها ذلك المجتمع ليتمكن من خلالها آيات الله من فرض نفوذهم المطلق.
سيكون متوقعا أن يلجأ نظام الولي الفقيه إلى الأرياف من أجل الدفاع عن شرعيته ولكن ذلك الإجراء سيمهد لنهايته، ذلك لأن الفقراء الذين هم حطب الثورة لا يملكون في النهاية سوى الشكوى من رداءة أحوالهم. لن تكون العقيدة يومها نافعة.
المصدر: صحيفة الحياة اللندانية